سورة الأنبياء - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)}
{لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} هذا برهان على وحدانية الله تعالى، والضمير في قوله: {فِيهِمَآ} للسموات والأرض، {إِلاَّ الله} صفة لآلهة، و{إِلاَّ} بمعنى غير، فاقتضى الكلام أمرين: أحدهما نفي كثرة الآلهة، ووجوب أن يكون الإله واحداً، والأمر الثاني: أن يكون ذلك الواحد هو الله دون غيره، ودل على ذلك قوله: {إِلاَّ الله}، وأما الأوّل فكانت الآية تدل عليه لو لم تذكر هذه الكلمة، وقال ابن كثير من الناس في معنى الآية: إنها دليل على التمانع الذي أورده الأصوليون، وذلك أنا لو فرضنا إليهن، فأراد أحدهما شيئاً وأراد الآخر نقيضه، فإما أن تنفذ إرادة كل واحد منهما، وذلك محال؛ لأن النقيضين لا يجتمعان، وإما أن لا تنفذ إرادة واحدة منهما، وذلك أيضاً محال، لأن النقيضين لا يرتفعان معاً، ولأن ذلك يؤدّي إلى عجزهما وقصورهما، فلا يكونان إليهن، وإما أن ينفذ أرادة واحدة منهما دون الآخر، فالذي تنفذ إرادته هو الإله، والذي لا تنفذ إرادته ليس بإله، فالإله واحد. وهذا الدليل إن سلمنا صحته فلفظ الآية لا يطابقه، بل الظاهر من اللفظ استدلال آخر أصح من دليل التمانع، وهو أنه لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، لما يحدث بينهما من الاختلاف والتنازع في التدبير وقصد المغالبة، ألا ترى أنه لا يوجد ملكان اثنان لمدينة واحدة، ولا ولّيان لخطة واحدة {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} لأنه مالك كل شيء، والمالك يفعل في ملكه ما يشاء، ولأنه حكيم، فأفعاله كلها جارية على الحكمة {وَهُمْ يُسْأَلُونَ} لفقد العلتين {أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً} كرر هذا الإنكار استعظاماً للشرك، ومبالغة في تقبيحه، لأن قبله من صفات الله ما يوجب توحيده، وليناط به ما ذكر بعده من تعجيز المشركين، وأنهم ليس لهم على الشرك برهان؛ لا من جهة العقل، ولا من جهة الشرع.
{هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} تعجيز لهم وقد تكلمنا على هاتوا في [البقرة: 111] {هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} ردّ على المشركين والمعنى هذا الكتاب الذي معي، والكتب التي من قبلي ليس فيهما ما يقتضي الإشراك بالله، بل كلها متفقة على التوحيد.


{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)}
{وَمَآ أَرْسَلْنَا} الآية: ردّ على المشركين، والمعنى أن كل رسول إنما أتى بلا إله إلا الله {عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} يعني الملائكة، وهم الذي قال فيهم بعض الكفار أنهم بنات الله، فوصفهم بالعبودية لأنها تناقض النبوّة، ووصفهم بالكرامة، لأن ذلك هو الذي غر الكفار حتى قالوا فيهم ما قالوا: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول} أي لا يتكلمون حتى يتكلم هو تأدباً معه {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} أي لمن ارتضى أن يشفع له، ويحتمل أن تكون هذه الشفاعة في الآخرة أو في الدنيا، وهي استغفارهم لمن في الأرض {مُشْفِقُونَ} أي خائفون.


{وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)}
{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ} الآية على فرض أن لو قالوا ذلك، ولكنهم لا يقولونه، وإنما مقصد الآية الردّ على المشركين وقيل: إن الذي قال: إني إله هو إبليس لعنه الله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8